لا جديد.. في زيارة بوش للمنطقة

رغم الحفاوة البالغة التي استقبل بها محمود عباس ورفاقه الرئيس الأمريكي جورج بوش ومرافقيه في رام الله. ربما بإعتبار هذه الزيارة هي الأولي من نوعها منذ عام 1998. فإن "بوش" لم يقدم جديدا بالمرة حيث اكتفي بتكرير مواقفه السابقة من موضوع السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين من ناحية ومن البرنامج النووي الايراني من ناحية أخري.
فبالنسبة لموضوع السلام أكد بوش علي عدة نقاط محددة هي أنه لابد من تحقيق رؤيته الخاصة باقامة دولتين فلسطينية واسرائيلية تعيشان جنبا إلي جنب في سلام وتلك هي النقطة الاولي أما الثانية فهي أن أمريكا لن تتفاوض حول طبيعة وشكل وحدود هاتين الدولتين ولن تضغط علي اسرائيل بأي درجة في هذا الخصوص والثالثة أنه يتعين علي الجانب الفلسطيني الاستجابة الكاملة لمتطلبات إسرائيل الأمنية.
ومعني هذا بوضوح وتحديد شديدين أن هذه المفاوضات قد تستمر الي مالا نهاية حيث لن ترضخ اسرائيل لأي من المطالب الفلسطينية المشروعة من تلقاء نفسها مالم تضغط عليها حليفتها الاستراتيجية باعتبارها الجهة الوحيدة التي تملك امكانيات وصلاحيات ممارسة هذا الضغط.
ومعني هذا ايضا ان بوش يتبني بشكل كلي وتام وجهة النظر الاسرائيلية خاصة فيما يتعلق بالجانب الأمني وبالأخص مايرتبط بما تسميه اسرائيل بالارهاب أي القضاء علي فصائل المقاومة المسلحة وفي مقدمتها حماس والجهاد الاسلاميتان مع ان بوش والقيادات الصهيونية تعلم علم اليقين أنه لا عباس ولا غيره من الفلسطينيين قادر علي ذلك لسبب بسيط جداً هو ان هذه الفصائل جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني نفسه بل ان هذه الفصائل تحظي بتأييد شعبي كبير بدليل الانتخابات التي جاءت بحماس الي الحكم رغم أنف أمريكا واسرائيل.
ولعل تصريحات "أولمرت" بحضور بوش بعد لقائهما في اسرائيل توضح ذلك بجلاء حيث اكد أنه لاسلام مع الفلسطينيين دون القضاء علي الارهاب وخاصة في غزة بينما يعلم أنه يطلب من عباس ما يشبه المستحيل لأن السلطة الفلسطينية اضعف بكثير من القضاء علي فصائل المقاومة أو السيطرة علي غزة بالذات بفرض ان الشعب الفلسطيني قد يوافق علي حرب الابادة الجماعية هذه.
وربما يكون موقف "أولمرت" من موضوع الاستيطان اكبر دليل علي اطمئنان اسرائيل للموقف الأمريكي حيث اعلن بوضوح ان الاستيطان الجديد والقديم في القدس بشطريه الغربي والشرقي خارج نطاق أي تفاوض!!
وبتركيز اسرائيل علي هاتين النقطتين القضاء علي ما تسميه الارهاب والابقاء علي المستوطنات خاصة في القدس الشريف يمكننا الجزم بأن هذه المفاوضات لن تسفر عن شيء ولو استمرت الي يوم القيامة.
كما يمكننا التأكيد علي أن الموقف الأمريكي لن يتغير باعتبار ذلك ضرورة أمن قومي لامريكا كما يزعمون ومن ثم يمكننا القول بأن ما تقوله أو ما تفعله أمريكا الآن وفيما بعد - كشأنه في الماضي - لا يمكن توصيفه إلا علي أنه نوع من حملات العلاقات العامة التي تستهدف اقناع الطرفين الفلسطيني والعربي بما تريده اسرائيل.
وبالنسبة الي ايران نجد "بوش" قد حافظ علي موقفه القديم عموما حيث اكد ان ايران لاتزال تمثل خطرا علي اسرائيل والمنطقة والعالم ولكن الملفت للنظر انه لم يعد يتكلم عن اسلحة نووية أو برنامج نووي ايراني بل عن ضرورة منع هذه "الأمة" - يعني ايران - من امتلاك "المعرفة" التي تمكنها من صنع اسلحة نووية في المستقبل القريب أو البعيد علي السواء.
ويعني هذا ضمنيا ان "بوش" قبل مضطرا نتائج التقارير الكثيرة التي تؤكد ان ايران لا تمثل خطرا نوويا الآن علي الاقل وأن المسألة قد باتت مسألة "معرفة" وكأن "بوش" يريد ان يصادر حتي علي ما يتعلق بالابحاث العلمية ويعتبر هذا التحول نوعا من التراجع النسبي في الموقف الامريكي ولكنه يعكس خطورة السياسة الامريكية في هذا المجال حيث تركز الآن علي المنابع حتي لو كانت "معرفية" وهو أمر قد يكون أخطر من التركيز علي نتائج البحث العلمي التطبيقية!!
اذا فبوش لم يأت بجديد بل جاء بما يناقض الاهداف المعلنة لزيارته بل اكثر من ذلك حيث جاء هذه المرة ليعلن بصراحة شديدة وان كانت أقل جلبة وأكثر دبلوماسية وهدوءاً أن أمريكا تتبني وجهة نظر اسرائيل في شتي المجالات وأنه لا دور لها سوي الترويج لما تريده اسرائيل والسعي لاقناع الاخرين والضغط عليهم لقبوله كصفقة متكاملة وهو نوع من اعادة عرض البضاعة القديمة بشكل جديد أو اعادة ترتيب "الفاترينات" وتجميلها رغم فساد البضاعة في محاولة مستميتة لخداع المشترين!!