في الوقت الذي تتبادر فيه الأسئلة حول كيفية تطبيق الدعم ماديا أو عينيا لكي يصل لمستحقيه مازالت مشكلة تسريب وبيع الدقيق المدعوم المسلم للمخابز تطل بوجهها القبيح وتشكل خطرا داهما علي الدعم ومستحقيه..
التقارير الصادرة عن وزارة الداخلية أثبتت أن القاهرة تحتل المركز الأول من حيث قضايا التهريب التي بلغت 1000 قضية بما يوازي نصف مليون طن وجاءت الجيزة في المركز الثاني ب 285 قضية تتعلق ب 272 ألف طن.. أما في القليوبية فقد تم ضبط 250 قضية تتعلق بما يزيد علي 350 ألف طن دقيق مما يعني ان القاهرة الكبري وحدها يتم فيها تهريب مليون طن دقيق سنويا أي حوالي ملياري جنيه من أموال الدعم تذهب للمستغلين والتجار الجشعين!!
فاذا علمنا ان الدعم الذي تقدمه الدولة للرغيف يبلغ سنويا 9 مليارات - قبل زيادته في 2008 إلي 15 مليار - لعلمنا أن نسبة التهريب تقترب من الثلث!!
الغريب أن الكل يعترف بالظاهرة الخطيرة ولكن عندما نحاول أن نضع ايدينا علي حلول جادة لا نجد!! فإذا كان فصل الانتاج عن التوزيع أحل الحلول باعتباره تطبيقاً لقاعدة "سلم واستلم" فإنه أيضا يتطلب رقابة مشددة!!
وإذا رأينا الحل في الرقابة نجد ان العنصر الذي تسند إليه الرقابة وهو مفتشو التموين تحوم حول معظمهم الشبهات وهم متهمون بالتواطؤ مع أصحاب المخابز!! وإذا طالبنا بتشديد العقوبة نتساءل علي من؟!! فالذي سيقوم بالقبض والضبط هم مفتشو التموين!! اذا اقترح البعض تحمل منظمات المجتمع المدني خاصة جمعيات حماية المستهلك لدورها في الرقابة والمتابعة لجاءت الإجابة بأن هذه منظمات علي الورق فقط ودورها غائب تماما.. المهم اننا نجد ان القضية خطيرة ولكن الكل يدور في حلقة مفرغة!!
والذي يدفع الثمن هو المواطن "الغلبان" الذي يقضي معظم عمره واقفا في "طابور" من أجل الحصول علي لقمة عيش قد تكون بدون "غموس". كما يقول المثل الشعبي.
يقول د.علي عبد الرحمن - أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة قناة السويس ومستشار وزير التجارة: إن تسرب الدقيق المدعم وبيعه بدلاً من خبزه هي مشكلة مزمنة ترجع لعشرات السنين حيث يبيع صاحب المخبز الدقيق المدعوم للسوق السوداء ويجني أرباحا عالية ويشجع علي ذلك ضعف الرقابة.
اضاف ان تسرب الدقيق في مصر له عدة مراحل تبدأ تحديدا من الموانئ.. حيث تأتي البواخر محملة بآلاف الأطنان من القمح المستورد وهنا يبدأ الاختلاس والتسريب.. بعد ذلك يذهب القمح للصوامع للتخزين وكالعادة يتسرب جزء كبير نفس الحال المطاحن حيث يتحول القمح إلي دقيق وفي هذه النقطة تحديدا تتسرب كميات كبيرة .. ثم يأتي دور المخابز التي تفوز بنصيبها من كعكة الدعم وتسرب الكثير من الكميات.. مشيرا إلي أن مجموع ما نفقده في تلك المراحل بداية من الموانئ وحتي المخابز يبلغ 48% أي ما يقارب نصف ما نستورده وندعمه من قمح وهي كارثة في حد ذاتها تستدعي أن نتدخل بشدة لوقفها.
أوضح ان المخابز تلجأ لتسرب الدقيق لأنها عملية مربحة ولنا ان نتخيل ان صاحب المخبز يتسلم طن الدقيق المدعم ب 300 جنيه ويبيعه للسوق السوداء بما يقرب من 2000 جنيه أي أن المكسب اضعاف مضاعفة بينما نجد أنه في حالة خبز الدقيق فلن يزيد مكسب اصحاب المخابز علي 20 جنيها للجوال وبصراحة الفرق كبير جدا ويغري أصحاب النفوس الضعيفة علي التسريب والتهريب ولا عزاء للدعم!!
أوضح أن هناك أكثر من طريقة للقضاء علي هذه الظاهرة منها ان نخلط الدقيق المدعم بالذرة وبذلك لايستطيع صاحب الفرن أن يبيع الدقيق لمحلات الحلويات أو مصانع المكرونة ومخابز الفينو وغيرها.. مشيرا إلي أن هذه الطريقة أثبتت نجاحا منذ عدة سنوات ولكن توقف المشروع بحجة ان طحن القمح مع الذرة عملية مكلفة وهي حجة غير منطقية! يجب أيضا تغليظ القوانين التي أصبحت حاليا غير رادعة وتشديد العقوبة علي من يسرق قوت الشعب. كما يجب ان تزيد دور الرقابة الشعبية علي اصحاب المخابز من خلال جمعيات حماية المستهلك التي يجب ان تلعب دوراً للقضاء علي المشكلة.
بالأرقام
علي شرف الدين - رئيس غرفة الحبوب - بالغرفة التجارية :غياب دور الرقابةعن الأفران تسببت في زيادة نسب التسريب وبصراحة مفتشو التموين المنتشرون في المخابز لا دور لهم بل ان معظمهم يتواطأ مع أصحاب المخابز ويتربح من تسريب الدقيق!!
أضاف أن المواجهة تبدأ بفصل الانتاج عن التوزيع حيث يتحول نظام العمل داخل المخبز وفقا لقاعدة "سلم واستلم" بمعني ان المخبز اذا قام بخبز جوال زنة 100 كيلو المفروض ان ينتج 1100 رغيف وبحسبه بسيطة نستطيع ان نتعرف علي طاقة كل مخبز يوميا وبذلك يستحيل التلاعب خاصة اذا تمت هذه الأمور باشراف جمعيات حماية المستهلك.
د.جمال صيام - أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة - قال انه منذ عدة سنوات وتحديدا في بداية التسعينيات قامت لجنة مشكلة من ممثلين لوزارتي التموين والتجارة برصد نسبة تسرب الدقيق المدعم في المخابز وكانت النسبة تبلغ 15%.. مشيرا إلي أنه من المتوقع ان تتراوح نسبة التسرب حاليا من 20 إلي 25% نظرا لغياب الرقابة وارتفاع اسعار القمح عالميا.
بينما يرفض عبد الله غراب - رئيس غرفة الخبازين بالجيزة. اتهام أصحاب المخابز بتسريب الدقيق خاصة أن المسئولين بدلا من أن يواجهوا أزمة الدقيق يتنصلون منها ويلجأون للحل السهل فيشيرون بأصابع الاتهام لأصحاب المخابز.. مشيرا إلي أن الحكومة هي المسئولة الأولي عن أزمة الدقيق الأخيرة عندما تقاعست عن استيراد القمح لفترة زمنية طويلة عندما كان سعره 220 دولاراً والتأخير جعلنا نستورده ب 500 دولار للطن!!
سوق سوبر
اللواء محمد أبو شادي.. مدير الادارة العامة لمباحث التموين أوضح أن مصر بها 16675 مخبزا والرقابة عليها أمر شاق جدا لذلك نعمل طوال أيام الاسبوع ولمدة 24 ساعة يوميا.. كما اننا نتحرك فورا بمجرد تلقينا أي بلاغ عن تسريب الدقيق وهناك رقابة مستمرة علي المخابز ذات السمعة السيئة.. مشيرا إلي أن اجمالي ما تم تسريبه هذا العام بلغ 40 ألف طن وهي نسبة تزيد قليلا عن العام الماضي وهو ما يعني ان التسريب مازال مستمرا وللأسف معظم التهريب يتم في محافظة القاهرة نظرا لكثافتها العالية وتمركز الكثير من المخابز بها.
الخميس يناير 17, 2008 11:51 pm
